الشاعر صالح محسن الجهني

قصيدة دمشق

2012-03-29

قصيدة دمشق

لمـا هـذا التَسلـطُ أخبرينـي

وأنـتِ روضـةٌ  للياسمـيـنِ

سقـاكِ اللهُ أنهـاراً  وقـطـراً

تباركَ عِقْـدهُ الـوردُ  الثميـنِ

عَبيرُكِ بلسـمٌ وثـراكِ  عطـرٌ

وماؤكِ منهـلٌ عـذبُ المعيـنِ

صَباحُكِ مغْنَـمٌ وشعـاعُ نـورٍ

أَنَارَ الكَـوَنَ بالحـقِ  المبيـنِ

وليْلُـكِ ساحـرٌ والبـدرُ فيـهِ

تمـامٌ فـي بيانـهِ والسكـونِ

حِياضُـكِ للرِّبَـاطِ  وللْمَعَالِـي

وللعلـمِ المـدونِ  بالمـتـونِ

جِبَالُكِ سطَّـرَ التاريـخُ عنهـا

ملاحمُ فـي سجـلاتِ القـرونِ

ففي قاسيـونَ آيـاتٍ وذكـرى

وعاطفـةِ النبـوةِ والشجـونِ

بسفحـهِ بيـتُ أبيـاتِ أَبِّينَـا

ومَسّكـنُ أمِّـنَـا أمُ البنـيـنِ

كأنَّ الشمسَ والقمـرَ استقـرا

وعاشـا فيـهِ الآفُ  السنيـنِ

بأفـراحٍ وأتــراحٍ وبـلْـوى

كـذا الدُّنيـا همـومٌ  للمديـنِ

مطيتهـا مـعَ الأقـدارِ صبـرٌ

كفانا اللهُ مـن شـرِ  الفتـونِ

وفي قاسيونَ أوَّلُ قتـلُ نفـسٍ

وتعزيةٌ مـن المَلَـكِ الحنـونِ

لوالدِنَـا بهابـيـلَ  القتـيـلِ

وصارتْ سنةٌ ريـبَ  المنـونِ

فأبكـى أمِّنَـا قابيـلَ ظُلـمـاً

فمن بطنٍ ومن خيـرِ البطـونِ

كذلك والحيـاةُ شقـاءُ عيـشٍ

عَدوَّنا فيهـا إبليـسُ  اللعيـنِ

عَدوَّنـا بالغـرورِ وليـسَ  إلاَّ

عدُّوُ الإنـسِ بالحقـدِ الدفيـنِ

ويَكفِينـا مـن التبيـانِ عنـهُ

كتابُ اللهِ ذي العـرشِ المتيـنِ

وفي قاسيـونَ أبنـاءُ الخليـلِ

دعوا للهِ في خيـرِ  الحصـونِ

وأنبـاءٌ لـهُ ومقـامُ  رُشــدٍ

وزمزمُ في سخَائِـهِ كالمـزونِ

برَبْوَتهِ مَسَاكـنُ خَيْـرُ  خلـقٍ

وطاَهِـرةُ الأمُومَـةِ والجنيـنِ

عليْهِمُ أجمعيـنَ صَـلاةُ ربـي

كما صلَّى على الهاديِ الأميـنِ

لِمـاَ هَـذَا وطارقـةُ  الليالـي

تَدُقُّ حُصُونُنَا فـي كـلِ حيـنِ

كأنَّهَـا لا تـرى بالـكـونِ إلاَّ

بنوا الإسلامِ والمجدِ  الحصيـنِ

دمشقٌ يا سراجُ المجـدِّ  أَنْـتِ

محصنـةُ المنَاقـبِ  واليقيـنِ

بَنَـى الإسـلام دولَتـهُ عليـكِ

بأيـدٍ أهْلُهَـا أهْـلُ اليمـيـنِ

بَنَوا فيـكِ المنَابـرَ  والقِـلاعَ

شواهـدُ للحضَـارةِ والفنـونِ

ومِـنْ دُوَلٍ إلـى دُوَلٍ  وأَنْـتِ

سيوفُ الخيرِ ذُخْـراً  للعريـنِ

أشَاعُوا العدَّلَ والإحْسَانَ  فِيْـكِ

وذَبُّوا عنْ حِيَاَضُـكِ  باليميـنِ

قلوبٌ لا ترىَ في الـذِّلِ خيـراً

وليس العِّـزُ كالـذِّلِ  المُهيـنِ

سيُوفٌ في نحورِ الغدرِ  دومـاً

وأَهْـلٌ للخيـولِ  وللسفـيـنِ

فكم أنْجَبْتِ مـن بطـلٍ هُمَـامٍ

ونِلْتِ الفخرَ بالمجدِ  المصـونِ

كأنَّ بَنُوكِ فـي كـلِ  العهـودِ

صلاحُ الدينِ في دنيـا  وديـنِ

فأَنْـتِ خَيْـرُ عاصمـةٍ لمجـدٍ

سَمَى بالفكرِ والصيدِ  السميـنِ

فمَـا بَـالُ اللَّيالـيِ عابسـاتٌ

وبَدْرُهَا في محـاقٍ كالسجيـنِ

وأَظْلَـمَ ليْلُهَـا رعـداً وبرقـاً

على قاسيونَ ذي القلبِ الحزينِ

على حمصٍ وذي السَبَحِ الجميلِ

صَبُورٌ بالدمُوعِ مـن  الغبـونِ

لِمَنْ يَشْكُو إلى الرحمنِ يَشْكُـو

ومِنْ هولِ المصائـبِ بالأنيـنِ

أَمِنْ أَجْلِ البَقَـاءِ علـى فنـاءٍ

بَقَاءُ الأَمْـرِ بالعَـدلِ  المُبيـنِ

أَمِنْ أَجْلِ التَولَّي علـى  عبـادٍ

لَهُمْ رأَيٌ ومـاَ هُـمْ بالقطيـنِ

أَمِنْ أَجْلِ الإمَـارَةِ  والفضـولِ

أَميْرُ القَوْمِ ذي العقـلِ الرزيـنِ

أَمِنْ أَجْـلِ الدراهـمِ  والنعيـمِ

فلا نُعْمى تـدومُ لـذاتِ  طيـنِ

أَمِنْ أَجْـلِ التَمَسُـكِ  بالقـرارِ

فليسَ الشُورى بالأمرِ المشيـنِ

أَمِنْ أَجْلِ الجمـالِ ومـا إليـهِ

جمالُ المرءِ بالفكـرِ الرصيـنِ

أَمِنْ أَجْلِ التَفاخُـرِ  والتباهـي

جَلاَلُ النحلِ ما هـوَ  بالطنيـنِ

أَمِنْ أَجْـلِ الكياسـةِ والذكـاءِ

سَعيدُ الناسِ ذي القلبِ  الفطينِ

أَمِـنْ هـذَا النِطاسِـيُّ البَلايَـا

دمشقٌ في عـلاجِ  المستهيـنِ

أَمِنْ أسَدٍ أَمِنْ حَسَـدٍ  ضَحَايـا

من الأطفالِ بالنـابِ  السخيـنِ

سيدعـوا اللهَ قلـبٌ لا يُوالـي

سِوَى الرحمنِ ذي الْعَونِ المُعينِ

ويأتي النصرُ في جُنْحِ الليالـي

قريباً يفرحُ الشَّعـبُ  الرهيـنِ

وَيَلْقى من ضَلاَلِهِ مـا  يُلاَقـي

ظَلُومٌ عـاثَ بالمجـدِ الأميـنِ

وأدمى جَبيـنَ أُمَّتِنَـا  دمشقـاً

ومن يرضى لبيضـاءِ الجَبيـنِ

فإن سَكَبَتْ دموعُ القلبِ عينـي

فهذا مـن المحبـةِ  والحنيـنِ

وبرَّهانـاً بـأنَّ الحُـبَّ يبقـى

وإِنْ ماتـت قلـوبٌ بالظنـونِ

عليكِ من الصباحِ إلى المسـاءِ

سلامٌ مـن قلوُبِنَـا  والعُيـونِ

ألاَ يَـدْرونَ أنَّ الحُسَّـن فِيْـكِ

وَمِنْكِ بسمةُ الثغـرِ  الحَسِيـنِ

لأنهـارٍ وإِنْ زِيْـدَتْ  بنـهـرٍ

دماءٌ حُرِّمَـتْ فـي كُـلِ ديـنِ

ثِـقِـي باللهِ أنَّ النـصـرَ  آتٍ

متى مَا شاء ذو العزمِ المكيـنِ

صالح محسن الجهني

نشرت بتاريخ 28 مارس 2012 م

وبمجلة الدفاع العدد 166 ذو القعدة 1433 هـ سبتمبر 2012 م